الاثنين، 28 مايو 2012

اللى رقصوا على السلم - أسماء فخر الدين





صحيت من نومى مفزوع خايف من أنى أكون أتأخرت عن شغلى وفجأة أفتكرت ان النهاردة أجازة صحيح احنا فى نص الاسبوع لكن النهارده أجازة .
النهاردة عيد الشرطة 25 يناير والحكومه لابنا يبارك لها أديتنا اليوم ده اجازة .. حسيت انى مرتاح لانى مش رايح الشغل النهاردة .
يااااه هرتاح يوم من انى اشوف أشباه البنى أدمين اللى معايا فى المكتب وأستريح شويه من الكذب والنفاق اللى هما عايشين فيه وبيبدأوا بيه يومهم من أول اليوم لغايه أخره .

خلاص بقى مادام صحيت يبقى أقوم أصلى ... اهى حاجه تنفعك فى أخرتك يا سى سالم ...صليت وعملت لنفسى كوبايه شاى وفتحت التليفزيون أشوف الاخبار لاقيت الدنيا مقلوبه ...أيه ده مظاهرات تانى ...يا عينى على الناس الغلابه كل شويه يتظاهروا ومايلاقوش فايده ويتعبوا ويمشوا .... والمولد يتفض والدنيا تسكت خالص .... يلا ربنا معاهم

وخلص يومى من غير أى حاجه جديده ونمت بدرى عشان اعرف اصحى وأروح شغلى  وماتأخرش واسمع لى كلمتين من المدير ... اصلى من المغضوب عليهم لو اتأخرت لازم الدنيا تقوم وماتقعدش
صحيت من النوم الساعه 7 وصليت الصبح ونزلت بسرعه عشان ألحق الأتوبيس وأبتدى رحله العذاب اليومية فى المواصلات .
وقفت استنى الاتوبيس على المحطه كالعاده وبعد ما استنيت ساعه الاتوبيس وصل وهو مليان على الاخر وحشرت نفسى بين الناس والمكان مافيهوش مكان تقف فيه وقلت ( اهى توصيله والسلام خلينا نوصل الشغل )... وأخيرا وصلت إلى شغلى .. ولسه بادخل من الباب ووقفت اسحب الاسانسير لاقيت اللى بيقول لى : صباح الخير يا استاذ سالم ؟
سالم : صباح النور يا عارف .. اخبارك ايه .
عارف : الحمد لله أنا بخير ... ما سمعتش الاخبار ولا ايه ؟
سالم : اخبار ايه يا سيدى سمعنى ما انت عارف كل حاجه يا عارف .
عارف : أمبارح المظاهرات كانت ماليه الدنيا وفى ناس لسه واقفين عند مجلس الشعب وبيقولوا يوم الجمعه فى مظاهرات جامدة جدا وبيقولوا عليها جمعه الغضب .
سالم: جمعه الغضب ؟ ازاى يعنى ؟ومعناه ايه الكلام ده ؟
عارف : والله على حسب علمى يا استاذ سالم ان المظاهرات دى مختلفه ... عموما ربنا يستر .
وأخيرا وصل الأسانسير وطلعت الدور الثامن ودخلت مكتبى وكلام عارف شغل لى أفكارى وخلانى أسأل نفسى : يا ترى المظاهرات دى هتجيب فايدة ؟ هنتغير ؟ ولا هتبقى زى المظاهرات اللى قبلها شويه كلام وينزل على الفاضى ومافيش حد يعمل لنا اى اعتبار ؟ اما نشوف هاستنى يوم الجمعه بفارغ الصبر ..

وعدى اليو واليوم اللى بعده وكل الناس بتتكلم عن يوم الجمعه اللى بيقولوا عليه جمعة الغضب واللى بدأت بشائره تهل قبل ما هو يبدأ .

بدأت الاحداث من مساء يوم الخميس وأنقطع الانترنت من الساعه 12 مساء وبدأت أشعر بالقلق ... وتغلبت على خوفى وشعورى بأن غدا هيكون فى مذبحه وشعورى ده لم اعرف له سبب  ... ولكن إستسلمت للنوم فى أخر الامر .

صحيت من نومى بعد ما جاتنى كوابيس مالهاش أخر عشان الاقى نفسى فى كابوس حقيقى وهو انقطاع الاتصالات عن المحمول ، ومسكت تليفونى وأنا اراه لاول مره مكتوب عليه لاتوجد شبكه




زاد شعور القلق عندى وسقط قلبى من الخوف لما فتحت التليفزيون ولاقيت الناس فى الميدان فى التحرير ما بين كر وفر من الشرطه ورأيت القنابل المسيله للدموع ... وشعرت بأننى لست فى مصر ولكن فى فلسطين .... وكأننى أرى مشاهد فى الاخبار تتحدث عن الفلسطينيين .

وألقيت نظره على المشاهد التى أراها فى التليفزيون وأجتاحنى غضب شديد وقررت حينها بأننى ذاهب إلى الميدان والأن .
ذهبت للميدان وعندما اقتربت منه  شممت رائحه الغاز المسيل للدموع ولكنى واصلت مسيرى رغم حاله الاعياء التى بدأت أشعر بها وأنضميت إلى جموع الناس وهم يصرخون بقوه زلزلتنى ( كفايه حرام ... أمشى ... كفايه ) وبدأت الاشتباكات بالعصى من الامن المركزى والناس تقابلهم بالطوب وفجأه شعرت بخبطه على رأسى وأظلمت الدنيا وإختفى كل شيئ وغرقت فى بحر من الظلام والصمت .
صحيت على أصوات غريبه وهرج ودوشه وتحسست رأسى وجدتها مربوطه بالشاش وحمدت ربى أننى على قيد الحياة ولاقيتنى فى مكان بيعالجوا فيه المصابين .. وسألت واحد وسط الناس : احنا فين ؟
فقال : إحنا فى مستشفى ميدانى قريبه من الميدان لاسعاف المصابين ، بعد اذنك الحق اشوف المصابين عشان الاعداد كتير جدا .. ربنا يستر .
طلبت منه انى اساعدهم ، فقال لى عند الدكتور احمد واقف هناك هو المسئول عن المكان .
رحت للدكتور احمد وعرضت عليه انى اشارك معاهم وأساعد فى غنقاذ المصابين اللى لاقيتهم كتير جدا وعددهم بيزيد ، وفعلا وافق وقال لى ناول الدكاتره الشاش والقطن .
وقفت معاهم وبقيت اساعد وشفت الشباب زى الورد بيموت قدام عينى من غير ما نلحق نسعفه وبكيت على طفله صغيره جات لنا وابوها شايلها على ايده وهى ميته اخدت رصاصه فى دماغها
وقفت مع الناس وخرجت للميدان لاقيت شباب وبنات وستات وشيوخ وكلهم بيصرخوا وبعلو الصوت وبيقولوا ( أرحل ... امشى ... الشعب يريد إسقاط الرئيس ) وساعتها حلفت انى مش هرجع بيتى انا مش هامشى من الميدان إلا لما الرئيس يمشى ... ايوه مش هبقى سالم المسالم اللى عايش فى الدنيا متغمى زى الثور فى الساقيه ، بشتغل واتعب وغيرى هو اللى يأخذ الفلوس والمكافأت عشان بيضحك فى وجه البيه المدير ، مش هاكون منافق زى الاستاذ/ أحمد زميلى اللى كل يوم يدخل يعظم للمدير عشان يفتكره ويحطه فى المكافأه ، خلاص مش هامشى جنب الحيط ولا هسكت واقول انا مالى مش عايش بأكل وبشرب يبقى خلاص ماليش دعوه ايه اللى بيحصل فى البلد ... لا دى بلدى ... ايوه انا مصرى ...انا سالم ومصرى ...وقفت اسمع كلام الناس والشباب عن حقوقنا وكلامهم كله صح من حقنا يكون لنا كرامه فى بلدنا ، ومن حقنا نلاقى علاج ونلاقى سكن ...... وحاجات كتير قوى .
رحت نمت فى الجنينه فى الميدان وناجيت ربنا سبحانه وتعالى وقلت : يارب رجع لنا كرامتنا وعزتنا وحقنا .. انت القوى على كل شيئ يا كريم .
ونمت فى الميدان والشباب بتتناوب الحراسه لانهم سمعوا ان البلطجيه خرجوا من السجون والشرطه انسحبت ، سابوا البلطجيه تموت الناس .
فضلت فى الميدان لغايه ما سمعت بيان التنحى وساعتها بكيت ، ماعرفش من ايه بكيت ولكن اللى اعرفه ان ربنا كريم ، ومن كرمه علينا انه حررنا وخلانا يبقى لنا كرامه .
وقالوا الوزراء موجودين ... وقالوا الشباب خلاص هنمشى ونسيب الميدان ، بصيت حواليا وقلت يا ناس هما بقيه الوزراء مشيوا ؟ رئيس الوزراء مشى ؟ غيروا وكلاء الوزارة ؟ رؤساء المصالح الحكومية ؟
رد واحد عليا وقال : ايه يا عم سالم بالراحه ...  لا طبعا كل دول موجودين المهم ان هو مشى وخلصنا منه خلاص ، كفايه قوى 30 سنه .
قلت له : كفايه 30 سنه فعلا كلامك صحيح بس كل اللى انا قلت عليهم دول لازم يمشوا هما كمان لانهم ماشيين على نفس الخط وألا هنبقى زى اللى رقصوا على السلم ولا اللى فوق شافونا ولا اللى تحت سمعونا ، ولا كأننا عملنا اى حاجه .

رد عليا واحد تانى وقال : لو حصل حاجه تانى نبقى نرجع الميدان تانى ، خلاص عرفنا الطريق يا عم سالم .
بصيت ليهم بحسره على ما فعلنا وقلت : ميدان ؟ ومين اللى هيخلينا نوصل للميدان ؟ وهنفضل كده كل ما يحصل حاجه نيجى على الميدان ، لا يا جماعه دى مش عيشه حراااام .

وسألتهم : يعنى خلاص هنمشى من الميدان ؟
قالوا لى : ايوه هنمشى .
قلت لهم : طيب خلاص نمشى بس خليكوا عارفين اننا كده ماعملناش حاجه لسه وغلطنا وبكره تعرفوا اننا لما هنمشى دلوقتى هنبقى زى اللى رقصوا على السلم .
ومشيت وسيبت الميدان وانا بحلف انى مش راجعه تانى ولا مره عشان ناس بترضى بأنصاف الحلول 




                                                                                                  أسماء فخر الدين 
                                                                                                  15-3-2011

الأحد، 27 مايو 2012

انتقـــام القــدر- هدير زهدي



     لم يكن صغيرا بالدرجة التي لا تعينه على ادراك الحب الحقيقي ، ولا كبيرا بالدرجة التي تشين به إذا أحب ..
ولكنه في كثير من الأحيان يعجز عن تحديد مشاعره وتفسيرها بدقة. كثر ما كان بعيدا كل البعد عن رؤية ملامحها بوضوح .. أو أنه كان يتعمد ذلك! ولكنه على كل حال لم يكن ينوي إيذاء أي شخص. ولكن كم أسقط من ضحايا في سبيل البحث عن الحب الذي يغنيه عن كل البشر .. كما يبرر!
فيجلس في نهاية كل قصة أمام محبته، دامع العينين، خافت الصوت، واضعا رأسه بين كفيه .. وتجلس هي رابطة الجأش، متماسكة، محاولة أن تخفي ما يشتعل داخلها من لهيب يبدد كل أثر للأمــان، ويحطم كل أحلام اليقظة والمنـــام. ويهشم آخر ما تبق من القلب الجريح حين يقول :
"     لم أجد فيك المعشوقة التي طالما حلمت بها!"

وتختلف ردود الأفعال من قصة لأخرى باختلاف البطلة .. فتبكي حينا .. وتتذمر وتغادره أخرى .. وثالثة توبخه بألذع الكلمات .. ورابعة تلومه وتعاتبه ...
ولا مانع من بعض الأرق في تلك الليالي التي تتكرر مرارا بسبب بعض اللوم من المعاتب الخفي الذي يسمى "الضمير"! .. حتى يجد فريسة جديدة تدخل حقل تجاربه، وتأخذ ترتيبها الرقمي في مسلسل حياته .. وينسى كل ما مضى حين يفتن بجمالها، أو رقتها، أو لباقتها .. فيزعم أنه قد وجد مأمله .. ثم لا يلبث أن يكتشف أن عواطفه لم تخرج قط عن محيط الإعجاب! بينما تقع الفتيات في غرامه لكلماته المعسوله، واهتمامه البالغ الذي لا يدوم طويلا .. فتنكسر آمالهن الوردية!
     وترددت كثيرا أصداء تلك الجملة، التي قد سمعها للوهلة الأولى من إحداهن اللاتي قد فهمنه حق الفهم :
     "ستجد ضالتك يوما فيمن تعذبك بجفائها"

فاضطرب لتلك الكلمات، وازداد الأرق ليلتها .. فلم تعد حينئذ مبرراته مقنعة، فعليه البحث عما هي أكثر اقناعا لفتياته، وأقل تأنيبا لضميره الذي يعكر عليه أحيانا صفو لياليه.
كان يخشى أن تتحقق تلك النبوءة، فيقرر ذات يوم أن يتوخى الحذر في علاقاته واختياراته .. ولا يلبث أن ينسى ذاك الأمر حين يتعثر في أحد الجميلات!
     ولكن اختار له القدر ما هو أسوأ من ذلك وأعظم ألما .. وألقاه ذات يوم عصيب منهارا بجوار جثة مضرجة بالدماء!
وكنت أنا ممن أفزعهم بكاؤه وحرقة نواحه .. فأسرعت وأمثالي من المارين نصنع –من دون اتفاق- حلقة دائرية عريضة حول ذاك المشهد المأساوي!
كان يدرك أنها قد لفظت أنفاسها الأخيرة بعد أن نطقت بالكلمة التي قد طال انتظارها –للمرة الأولى- من أول فتاة قد خفق لها قلبه حقا!
فأخذ يحيطها بذراعيه صارخا عله يستطيع أن يحميها من صفعات الموت التي اصطفت روحها الطاهرة! وترسل يداه على جبينها أجمل عبارات الغزل والعشق، وتُوْدِع قبلاته على جبهتها روحه المهزومة لتسافر معها إلى حيث لا ألم ولا شقاء .. فالسماء رحبة بالقدر الذي يتسع لقلبيهما، وبيضاء بالقدر الذي لن يمزق نسيج سعادتهما!
ولكن اختارتها السماء من دونه لتتركه معذبا إلى جوار محبوبته الأولى، وقد أسلمت الروح ..
     هكذا قص لي الشاب كيف ألقته آثامه إلى تلك المأساة ..
وقد اصطحبته إلى منزلي بعد أن فقد صوابه، وشرد في الضواحي بخطوات السكير. فكان يضرب الأرض عبثا لا يدري لأي اتجاه يسير!
ارتعشت شفتاه وتلعثم لسانه حين مضى يصف براءة الأطفال التي لم تتوار عن وجهها لحظة منذ شجار أول لقاء في أحد مراكز التسوق. لم يكن يتصور أن ينبض قلبه بالحب بعد مشاحنة مع إحداهن، ثم تصبح تلك التي أثارت غضبه .. معشوقته!
باغته الحب، وأخذ يشتعل بدرجات سريعة. وأفصحت عيناها عن الاستجابة لنداءات العاطفة. وكم تمنعت الشفتان عن كلمات كادت ضربات قلبها الصخبة أن تجهر بها ! ولم تنكسر كل تلك الموانع والأسوار حتى سالت الدماء وأوشكت الروح على الصعود! فحررت جناحي حبها وأطلقته يغرد في عنان السماء بلا قيود، ونطقت بها في وهن .. فلم تخفق شفتاه في الابتسام وسط انهمار الدموع، مودعا قبلاته على كفيها، فبادلته الابتسامات .. حتى جمدت الأطراف بلا حراك، بلا نفس، فقط عينان مغلقتان، وجسد شاحب تناثرت على أطرافه البقع الحمراء!
وكثر ما سمعته وسط جموع المشاهدين من عبارات الشفقة والأسف .. وبعض الصياح الذي يتباعد حتى يختفي مناديا "الاسعــاف"..
ثم تضرب الكفوف بالكفوف في أسى، ويصيح آخر بعد أن سكن الجسد إلى الأبد : "المشرحة"
     وها قد مرت ثلاث أيام على الحادثة .. ومازلت أستضيفه في منزلي، ولا أجده مستيقظا بقدر ما أجده نائما! ..
أدركت أن ذلك الفتى طيب القلب، ويحمل بين ثنايا قلبه أحاسيس بيضاء .. ولكن عجزت الفتيات عن استفزاز هذه المشاعر النائمة للنهوض .. سوى المتوفــاه.
حاولت أن أُقظه منذ قليل خشية  عليه من طول ساعات نومه، فما قوبلت سوى بعينين حمراوين، وجملة تدعو للأسى :
"     فضلا، لا تزعجني أثناء الجلوس معها"
                                                                                                   هدير زهدي
                                                                                                  26/9/2011

الثلاثاء، 22 مايو 2012

آلة حاسبة و دبدوب - أحمد موسى


 بقلم : أحمد موسى عبد المطلب
----------------------------
" اتفضل يا أكرم "
قالتها زوجة أكرم و هي تناوله ورقة مطوية ثم أردفت قائلة :
الورقة دي فيها الحاجات اللي احنا محتاجنها ، يا ريت متنساش تشتريها و انت راجع من شغلك .
قال أكرم في اقتضاب و هو يختطف منها الورقة ثم يضعها في جيبه : مش هنسى .
قالها ثم أسرع خارج المنزل و كأنما يود الهرب من أي طلبات أخرى . .
***********************************************************
كان أكرم في طريقه إلى خارج مقر عمله عندما استوقفه زميله رمزي قائلاً : استنى يا أكرم اخدك معايا في سكتي للبيت .
قال أكرم مبتسماً : شكرا يا رمزي بس لسه هشتري شوية حاجات قبل ما أروح . .
قال رمزي : و ايه المانع ؟! اخدك معايا برضو
قاوم أكرم رغبته الشديدة في الموافقة وهو يقول في إصرار : لا ، مش عاوز أعطلك ، اتكل انت على الله .
و استمرت محاولات الاقناع من رمزي و كذلك استمر أكرم في العناد ، حتى لم يجد رمزي بداً من الإذعان لرغبته أمام تصميمه ذاك ..
خرج أكرم من عمله و قد كان في شدة السخط و هو يقول لنفسه غاضباً : يا سلام على غبائي ، كان لازم البس ثوب المروءة دلوقتي ، ده انا استاهل اللي هيجرالي في المواصلات .
****************************************************************************
وصل أكرم بعد عناء شديد و متوقع في الحافلات الحكومية إلى تلك السوق الكبيرة في أحد المناطق التجارية النشطة بالقاهرة و طالما ما كان يصيبه الذهول من كم ما تحتويه تلك السوق من سلع و منتجات مختلفة ، كل شيء و أي شيء كان يُمكن أن يتواجد هناك ، كل شيء ( ربما باستثناء الطائرات و السفن و مركبات الفضاء و القنابل النووية ) )
أخرج أكرم الورقة التي تحوي بين طياتها قائمة المشتريات ثم وقعت عيناه على أول طلب و قد كان " آلة حاسبة حديثة موديل ××× لحل المعادلات "
طوى أكرم الورقة قائلاً : فين أيام لما كنا بنشغل دماغنا في الحسابات ، هي الرفاهية الزيادة دي هي اللي خربت عقولنا .
توجه أكرم إلى أقرب المتاجر التي تبيع المستلزمات الدراسية من أقلام و دفاتر و غيرها و هناك وجد أعداداً و أنواعاً لم يتصور وجودها قبلاً قط !
و كذلك أسعاراً متباينة تبدأ من شبه الصفر إلى الآلاف المؤلفة !
و تمنى لو كان كُتب في ورقة المشتريات و بجوار كلمة آلة حاسبة تلك الجمل التي يعشقها و هي " بأرخص سعر ممكن "
فلو رآها لكان الان في أفضل حال ، و لكنه لم يجد مفراً من أن يطلب من البائع ذلك النوع الذي حُدِدَ  له في الورقة .
و لكن فُوجئ بالبائع يُبسط أمامه أكواماً من العُلب التي تحوي بداخله الآلات الحاسبة فقال له مندهشاً : ايه كل ده ؟! أنا طلبت آلة واحدة بس مش المحل كله !
أجاب البائع : في أكتر من موديل من النوع اللي حضرتك طلبته ، و دي معظم الموديلات من النوع ده ، حضرتك اختار اللي يعجبك .
قال أكرم بدون أن يتلاشى ذهوله : حتى الآلات الحاسبة بقى فيها موديلات ، زمن عجيب !
أخذ يفتش وسط أكوام الآلات المتراصة أمامه و هو يستطرد قائلاً : بس أنا عارف أنا هجيب ايه .
و آخذ أكرم يتناول كل واحدةً على حدى فيفحصها من جميع الجوانب من الداخل و من الخارج و ربما ساعده على ذلك البحث انشغال البائع بتعاقب الزبائن على المتجر .
و بعد فترة ليست بالقصيرة ، فحص خلالها أكرم كل ما أمامه تقريباً توجه برأسه و الذي  كان قد تصبب عرقاً للبائع و هو يقول : طلبي مش موجود في كل دول للأسف .
صاح البائع متسائلاً في استنكار شديد : و هو ايه طلب سيادتك !
أخبره أكرم بطلبه ، فأجابه البائع و هو يهز كتفيه : و ليه سيادتك مقلتش طلبك من الاول ، لا معندناش و معتقدش انك هتلاقيه عند أي حد تاني . .
لم ينبس أكرم ببنت شفة و خرج من المتجر في صمت !
****************************************************************************
توجه أكرم إلى ذلك المتجر الكبير في ذلك السوق التجاري آملاً أن يجد رغبته فيه ، و هناك تكرر نفس الموقف السابق ..
فدخل أكرم المتجر و طلب ذلك النوع من الآلات منه ثم بسط البائع أمامه موديلات مختلفة فأخذ أكرم يفحصها كلها بنفس الطريقة العجيبة ، و لا يلبث أن ينتهى من فحصه ذاك بدون نتيجة إيجابية ! ، و يتكرر سؤال البائع عما يريده أكرم ، و تتكرر الاجابة ، و يتكرر النفي من البائع
و استمر الأمر يسير على هذا المنوال في العديد من المتاجر  ، قبل أن يتسلل اليأس أخيراً إلى قلب أكرم  فغمغم في إحباط : نأجل موضوع الالة الحاسبة دي شوية و ننقل على اللي بعده .
قالها ثم أخرج الورقة المطوية من جيبه مجدداً و قام بفضها و نظر إلى الطلب  الثاني في القائمة و الذي كان " ساعة يد ( عقارب ) " للمدام
و بالنسبة إليه كان من السهل جداً أن يجد متجراً لابتياع تلك الساعة المطلوبة و لكن من المنظور المادي لم يكن الأمر بتلك السهولة قط .
و لكنه لم يجد مفراً من التنفيذ .
و في حيرة شديدة أخذ ينظر لواجهات المتاجر في انبهار ، كانت الساعات ذات أشكالا ً و ألواناً  تسيل اللعاب بحق ، و لكن انبهاره هذا لم يكن بسبب جمالها فحسب ، بل كان بسبب سعرها أيضاً .
و بعد فترة من التحديق في واجهات المتاجر المختلفة استقر أخيراً على متجر اعتبره الارخص سعراُ نسبياً .
و بخطوات مرتعشة ، دلف أكرم للمحل .
ابتسم له البائع قائلاً : أهلاً و سهلاً يا أستاذ ، آمر و فور دخوله للمتجر
رد أكرم : عاوز ساعة حريمي عقارب و احم .. سعرها يكون معقول .
و بسرعة عجيبة و كأنما يعرف طلب أكرم مسبقاً دس البائع يده في كومة من أكوام الساعات الهائلة و أخرج له ساعة ذات لون فيروزي هادئ و لامع في الوقت ذاته في تناقض عجيب .
أنبهر أكرم أشد الانبهار بتلك الساعة فسأل للبائع : تسمحلي اشوفها ؟
ناوله البائع الساعة قائلاً : ده أكيد ، اتفضل .
أخذ أكرم يفحص الساعة بنفس طريقة فحصه للآلات الحاسبة .
و بعد أن أنتهى من فحصها  نظر إلى البائع و هو يقول مبتسماً :
xxxx
حلوة أوي الساعة دي ، و زي ما أنا عاوز بالظبط ، قولي بقى بكام ؟
رد البائع بابتسامة أكبر كاشفاً عن أسنانه الصفراء : ب              جنيه !
تلاشت ابتسامة أكرم و قال في سرعة : وحشة اوي الساعة دي ، لونها مش ظريف خالص و مش بنفس المواصفات المطلوب .
صمت قليلاً ثم أضاف : شوفلي أرخص حاجة عندك .
قال البائع في دهشة : زي ما حضرتك عاوز !
أخذ البائع يبحث وسط  أكوام الساعات الموجودة و أخيراً أخرج له ساعة تبدو أقل بهجة وجمالاً و ناولها لأكرم قائلاً : اتفضل دي أرخص ساعة في المحل .
XX
تناول أكرم الســـــــاعة من البائع قائلاً : و دي بكام ؟
رد البائع : ب          جنيه بس !
قال أكرم مبتسماً : اه تمام ، و الساعة فعلاً شكلها حلو و مناسب .
قالها ثم بدأ فحصه الروتيني المعتاد ، بدأ جولته من واجهة الساعة ، ثم أخذ يفحص جانبيها في عناية بالغة ثم إلى غطائها ..
 و فجأة تكرر ما يحدث في كل مرة .. فتلاشت ابتسامة أكرم و حل محلها عبوس و غضب و هو يعيد الساعة للبائع و هو يصيح في حنق : ده كتير ، كتير أوي .
تناول البائع الساعة من أكرم في عناية قائلاً في تعجب : فيه ايه يا استاذ مالك ؟ هي الساعة معجبتكش و لا ايه ؟
و لكنه سؤاله هذا تردد بلا جواب
و ذلك لأن أكرم لم يعد موجوداً داخل المتجر ..
.. بل غادر تماماً
****************************************************************************
تكرر ذلك السيناريو مجدداً في ما بقي من قائمة المشتريات
فقد كاد أكرم أن يكسر خلاطاً كهربائياً في محل الادوات المنزلية بعد أن أجرى عليه ذلك الفحص الروتيني ، و الذي آثار سخطه كالعادة .
ثم لمح في قائمة المشتريات كلمة " دبدوب ..
 فدخل في معركة شرسة مع دمية في محل ألعاب الاطفال " بعد أن تكرر نفس الفحص العجيب
و في النهاية وجد أكرم نفسه عائداً للمنزل متأخراً عن موعد انصرافه من العمل بعدة ساعات .. و الأسوأ من ذلك أنه عاد خالي الوفاض ! بدون أن يشتري و لو شيئاً واحداً فقط مما كان مكتوباً في الورقة .
و خطا إلى داخل المنزل بهدوء و هو يقدم ساقاً و يؤخر الثانية !
و أخيراً أصبح أكرم داخل المنزل و لكن لم يكد يدخل حتى فوجئ بزوجته أمامه كما لو كانت تتربص به ، لاحظت هي تلك الصدمة المرتسمة على وجهه فهتفت : ايه اللي آخرك كده يا باشا .
أجابها أكرم بتلعثم سببه التوتر : كــــ ... كنت فيـــ ، في الشغل ، و بعدين رحت عشان اشتري الحاجات .
قالت له في دهشة : بس أنا مش شايفاك شايل حاجة يعني . .
قال لها و قد تضاعف توتره مرات و مرات : اصلي .... اصلي
صاحت له في غضب : اصل ايه ؟ ما تجمع كلامك !
قال أكرم : اصلي مشتريتش حاجة .
قالت في ثورة : افندم ، امال كنت بتهبب ايه كل ده ؟!
رد أكرم : كنت بدور بس ملقيتش حاجة من اللي انتوا عاوزينها . 
صرخن في ثورة : انت هتستعبط يعني ايه ملقيتش ، الحاجات دي تلاقيها في اي حتة ، ده انت نهارك مش فايت النهارده .
 حاول أن يفسر لها مع حدث ، و لكن يبدو أن التفسير لم يرُق لها كثيراً ..
و لذلك نشبت المعركة المرتقبة في المنزل .
****************************************************************************
في اليوم التالي و برغم ما حدث معه من مشاكل في ليلته الماضية ، ذهب أكرم إلى عمله مبتسماً لسبب ما .
و بعدما أنهى عمله بدا عليه الارهاق ، و لكنه تناسى كل ذلك و أتجه إلى مديرة مكتب المدير مباشرة و سأل سكرتيرة المكتب قائلاً : اقدر ادخل ؟ عاوز أكلم سيادة المدير في موضوع مهم جداً .
ردت قائلةً : ثواني ، ادخل ابلغه .
 قالتها ثم نهضت و اتجهت إلى باب مكتب المدير فطرقته ثم دلفت إلى الداخل ، و بعد لحظات خرجت من المكتب و توجهت إلى أكرم و هي تقول : اتفضل ادخل .
تهللت أسارير أكرم ، و توجه بسرعة إلى باب المكتب فطرقه و انتظر حتى أُذن له بالدخول ثم فتح الباب ، و خطا لداخل المكتب بهدوء و رهبة .
و في الداخل كان المدير جالساً على كرسيه المعتاد ، و أمامه شخص طويل أسود الشعر و العينين ، أخذ يرمق أكرم بنظراتٍ فاحصةٍ ، تجاهله أكرم و توجه إلى المدير و صافحه ففقال له المدير : أهلاً بأكرم الموظف المجتهد ، سلم على أستاذ حلمي ، المدير الجديد لمركز التصميم .
صافحه حلمي قائلاً : أهلاً بيك يا أستاذ أكرم .
قال أكرم و هو منتشي من وصفه بالأستاذ : أهلاً بسيادتك يشرفني التعرف عليك ، و خصوصاً في الوقت ده
نظر إليه حلمي بتساؤل : قصدك ايه ؟
قال أكرم بحماس : أنا عندي اقتراح حلو جداً لتطوير الانتاج في المصنع . .
قال له المدير : طيب اتفضل اقعد و قول اقتراحك يا سيدي .
جلس أكرم على الكرسي المجاور لكرسي حلمي ثم قال : أنا أقترح أننا بدل ما نكتفي باستيراد المنتجات و نجمعها و بس ، اننا ننتج احنا المنتجات دي ، نستورد المواد الخام المتوافرة بكثرة ، و بخبرات العاملين في المصنع ، نقدر نصنع منتجات أكثر جودة بكثير من اللي بنستورده ، و الربح هيكون أكبر .
حدجه حلمي بنظرة ساخرة .. لم يكد ينتهي من حديثه حتى
.. و تمتم المدير قائلاً : الموضوع مش سهل يا أكرم ، و هيعملنا مشاكل و وجع دماغ على الفاضي ، خلينا كده كويسين .
قال أكرم : لكن يا سيادة المدير .
قاطعه حلمي وقد انتقلت السخرية من عينيه إلى لهجته : انت بتشتغل ايه في المصنع يا أكرم ؟
أجابه أكرم وقد أدهشه السؤال : بشتغل في قسم الواردات في المصنع .
قال حلمي بسخرية أكبر : طيب يعني مفيش علاقة بينك و بين المواضيع ، المفروض انك تسعى لتطوير قسم الواردات ، و ملكش أي علاقة بالتصميم و الانتاج .
قال أكرم في محاولة للتماسك : انا بقترح اللي في مصلحة المصنع يا افندم .
صاح حلمي في حدة و هو يهب من على مقعده : بقولك ايه الموضوع ده في اختصاصي أنا ، بلاش تتدخل فيه ، انت مش هتعرف مصلحة المصنع أكتر مننا .
قال أكرم و قد امتقع وجهه في شدة : بس أنا .
قاطعه المدير هذه المرة قائلاً : كفاية يا أكرم كفاية .
التفت إليه أكرم ، فتابع : انت تشيل الموضوع ده من دماغك دلوقتي خالص .
قال أكرم : لكن يا افندم .
قاطعه المدير مجدداً قائلاً في حزم : مع السلامة يا أكرم ، شرفتنا . مع السلامة.
أحس أكرم بوخزة في صدره ، عندما أدرك أكرم أنه لا جدوى من النقاش
شعر بأنه حلمه قد تلاشى ..
. و للابد ..
و خرج من باب المكتب و قد وصل مقدار ما يشعر به من يأس و إحباط و مرارة إلى الذروة
و عندما خرج من باب المكتب ، اخرج من جيبه ورقة مطوية ، تلك الورقة التي كانت تحوي قائمة المشتريات التي أبى أن يشتري منها شيئاً .
و لكن في ذلك اليوم ، قرر الذهاب إلى ذاك السوق مجدداً
لشراء كل ما في تلك القائمة
و سواء وجد ما يرغب به أم لا
فسوف يشتريها ..
.. كلها
.. و بلا أي استثناء
****************************************************************************
" الأكل جاهز يا أكرم "
اخترقت تلك الجملة أذنيه و بدت له كدوي ألف رصاصة في وسط حاجز الصمت الناتج عن الذكريات التي تفيض في رأسه .
أعادته تلك الجملة إلى عالم الواقع
فوقف على قدميه بصعوبة بالغة و توجه نحو باب الغرفة للخروج .
و في طريقه رأى تلك الاشياء التي كان قد اشتراها منذ قليل .
آلة حاسبة ، و ساعة يد ، و خلاط كهربائي ، و دمية .
و في أسى أخذ ينظر إلى تلك الاشياء ، و رأى تلك الجملة التي لم يكن يرغب برؤيتها قط ،
تلك الجملة التي بدت له الان و كأنما تتعمد إغاظته و التي كانت تستثيره كلما رآها
تلك الجملة التي غزت كل شيء نراه الان حتى كادت أن تغزو البشر أنفسهم و لذلك لم يتحمل رؤيتها طويلاً فخرج سريعاً للهرب من رؤيتها .
... تلك الجملة التي كان تتكون من ثلاث كلمات فحسب و لكن قصتها تُحكى في ثلاث مجلدات
.. تلك الجملة التي كانت :
" Made in China  "
********************************************************
تمت

السبت، 5 مايو 2012

ارحمونـــا - خواطر سهام عثمان




ارحمونا ..

ارحمونا يا خلايق ارحمونا
ارحموناوالا ناويين تخنقونا
التكاتك المجنونة
والشكمانات الملعونة
والأغانى المزعجة
فى الشوارع صدعونا
تعرفوا لو الهدؤ فى يوم يتباع
كنت ادفع نص مالى
بس أخلص م الصداع
لا واغرب من كدا
فيه حاجات مزعلانى
ومبيتانى منكدة
ببقى واقفة فى البلكونة
بشوف مناظر مزعجة
الكلام مبقاش كلام
حتى السلام غيروه
مبقاش سلام
لما شاب يضرب زميله
على قفاه ويقوله هاى
والا غيره يدى صاحبه
بالشلوت ويقوله باى
والله انا شايفة عجب
هو دا يبقى التمدن
والا دى قله ادب
لأ..ولسة
اللى افظع من كدا
الشباب مألكوش
شكله ايه
شعره قصه ديجراديه
او كاريه
وحواجبهم ابصر ايه
بنطلونهم واقع منهم
يجى شبر
لأ وماشيين فرحانين
بالبوكسرات
اللى مالية الأعلانات
ايشى احمر فيه قلوب
واللى بمبى عليه دبدوب
موبايلاتهم فى الجراب
وفى ودانهم سمعات
متهيئلى بيسمعوا راب
وبيعملوا عليه حركات
واللى اغرب من كدا
هى معاكسات البنات
اللى دايما نعرفوا هى
معاكسات الشباب للبنات
انما دلوقتى الحال انقلب
البنات فى الشوارع
فرصة ورباطها فلت
الضحكة صوتها عالى ياه
كل ما سمعها بقول
لا اله الا الله
ايه يا خواتى اللى بسمعوا
وايه كما ن اللى انا شيفاه
الهظار فى الشوارع
والشتايم ع المسامع
والدلع وياالوقاحة
شىء مضايقنى بصراحة
امتى هيعود الحياء للبنات
واالرجولاة للشباب
والهدؤ للشوارع
والقلوب تبقى فى سكينة
والخلايق مستكينة
لسة جوايا كتير
راح افضفض عن قريب
وبصراحة
بعد ما حكيت معاكم
صدقونى حسيت براحة
مرة تانية راح اقول
عن حاجة تانية
سلبياتنا
اللى موجودة فى حياتنا
انتظرونى عن قريب
هحكى عن كل الغريب
واللى فى حايتنا عجيب
والسلام ع الكرام
السلام 2000 سلام


***

سهــام عثمــان
من فريق القلم الحر


أقل من نملة! - هدير زهدي




     أثارتني ذات نهار نملة بنية.. ربما قذفتها نسمة قوية، فضلت سبيل أقرانها، وجذبتها هاهنا قطعة سكر مرمية. تنقض عليها كليث جائع على ريمٍ غرته الخدائع. ولكن خلف الأسد غولا دهس الضرغام والغزال .. حللت أهلا ووطئت سهلا، وبالأحضان عانقتها أناملي. ورفعت الأصابع فإذا بها على الوسادة كزهرة خريف محنية. خِلتها هلكت، فدققت النظر فوجدت حلا الروح يدفعها بلا جزع للنجاة، وتجر أطرافها جرا لتستقم فتتراقص في كل إتجاه. فأطلقت في الفراغ زفيرا ألقاها بعيدا عن الحبة، فما فائدة السكر إن لم توجد الحياة ؟!

كادت بمشقة المثابرة وهواء زفيري تحتضر، ولكن أبت الإنضواء لصفعات الموت المنتشر.. فضحكت ملء أشداقي وبكيت ملء أعماقي .. من أين لك بذاك العزم وتلك الهمة والصبر؟! وأجابت برقصاتها تذكرني بماضٍ محبط يطاردني، ويأسٍ في الدنيا حين الشدائد يرافقني .. تسألني في كبرياء عن ساعة صمود! عن دقيقة في حياتي حركت الركود! عن لحظة نجاح أزالت عتمة الفشل في طريق مسدود!

وظلت بإلتواءاتها تثرثر عن أمور صعبة المرام .. حتى قهرت ظنوني وأوشكت أوصالها على الإستقام. فكأنما حينئذ تعايرني ببطولة مسلسلات الفشل التي لم تبلغ حتى الآن سطور النهاية ، وقد تناست في كبر أن مصيرها بين خنصري وإبهامي! فتشتت بصري في المحيط أبحث عن أقرب ما تبلغه أصابعي .. فالتقطت إحدى المجلات ولففتها بعنفوان في شكل اسطواني، ورفعت ذراعي استجمع قواي في غبطة مالك الأقدار الذي لن يسمح بفرصة طلب الأمنية الأخيرة! ثم أفرغت غيظي بضربة جهنمية، تذيع نجاحي في الفتك بها.

ثم تهمس في أذني روحها الوهمية ، تخبرني بأنك يا صبية، يا حمقاء في حجم غول .. أقل كثيرا من نملة بنية !

تمت،

هدير زهدي  -  فريق القلم الحر