أنا بيت مسكين يمر الناس أمامي متعجبين أو مستهزئين أو مشفقين ؛ فقد كنت عامراً بأناس تسكن المودة قلوبهم ، وأطفالهم يعبثون في أنحائي لاهين عن لدنيا وأوجاعها مطمئني البال لأمان تبعثه فيهم جدراني... شهدت ولادتهم ونموهم وعشت أحلامهم وآمالهم ... ثلاثة أجيال احتويتهم بين جدراني لم يتمردوا على العيش بي رغم بساطتي وقدم عمري. جيراني مثلي بيوت قديمة بسيطة يعلو أطولها عني دورين وسكانها كسكاني ، لذا سرت بينهم روح الجيرة الطيبة ، هذه تفرح لفرح تلك ولا تتأخر عنها في شدة أو ضيق مرت به. ذات يوم سرى حديث بين سكاني عن هجري والعيش في مكان أفضل ، بعضهم شجع الفكرة والبعض تمسك بي فقد عاشوا عمرهم هنا وأي عمر! أفراح متتالية وأحزان متباعدة فبدأوا يبنون بعيداً عني ويستعدون للرحيل ، فرحل بعضهم بالفعل بعد أن غرست الدنيا بأنيابها في قلوبهم وسرى سمها في دمهم فتشاجروا وبدت بينهم العداوة والبغضاء ، فبدأت أشعر بالهِرَم الذي لم أشعر به مطلقاً من قبل ، خاصة وأن جيراني قرروا الرحيل برحيل سكانهم عنهم ، فرحلوا وحلت مكانهم بيوت عملاقة بالنسبة لي تعلو عني عشرة أدوار فزدت هِرَماً لمرأى تلك البيوت الشابة القوية ، وتشققت جدراني وفزع سكاني خوفاً أن أسقط عليهم .. كيف أقتلهم تحتي وأنا أعيش من خلالهم ! لايدرون أن شجارهم ورحيلهم يسري في بدني كالسم ، فتتوسع الشروخ باتساع خلافهم ويزيد هِرَمي كلما تباعدوا أكثر فأكثر ، فبدأت أترنح من التعب والشيخوخة فرحل عني جميع سكاني ، معظمهم غير آسفين عليّ ، والبقية يمرون بي بعد سقوطي وأعينهم دامعة لحالي البائس ؛ فما أنا الآن إلا ركام لا يجرؤ أحد على نقله أو إعادة بنائه ليعود شاباً في مواجهة سموم الدنيا
* فريق أدبي يتكون من مجموعة من الشباب الهواة هدفهم الارتقاء بالأدب الهادف ومحاربة الإسفاف. * فريق القلم الحر هو فريق أدبي شبابي مستقل غير تابع لأية جهة أو مؤسسة. * فريق القلم الحريمول نفسه بنفسه ، ولا يستقبل تمويل من أي جهة أو من أي شخص - نقبل الراغبين في الانضمام إلى مسيرتنا في القصة القصيرة. klm.7or@hotmail.com
الاثنين، 23 سبتمبر 2013
شروخ في الجدران بقلم هبه الله احمد غانم
أنا بيت مسكين يمر الناس أمامي متعجبين أو مستهزئين أو مشفقين ؛ فقد كنت عامراً بأناس تسكن المودة قلوبهم ، وأطفالهم يعبثون في أنحائي لاهين عن لدنيا وأوجاعها مطمئني البال لأمان تبعثه فيهم جدراني... شهدت ولادتهم ونموهم وعشت أحلامهم وآمالهم ... ثلاثة أجيال احتويتهم بين جدراني لم يتمردوا على العيش بي رغم بساطتي وقدم عمري. جيراني مثلي بيوت قديمة بسيطة يعلو أطولها عني دورين وسكانها كسكاني ، لذا سرت بينهم روح الجيرة الطيبة ، هذه تفرح لفرح تلك ولا تتأخر عنها في شدة أو ضيق مرت به. ذات يوم سرى حديث بين سكاني عن هجري والعيش في مكان أفضل ، بعضهم شجع الفكرة والبعض تمسك بي فقد عاشوا عمرهم هنا وأي عمر! أفراح متتالية وأحزان متباعدة فبدأوا يبنون بعيداً عني ويستعدون للرحيل ، فرحل بعضهم بالفعل بعد أن غرست الدنيا بأنيابها في قلوبهم وسرى سمها في دمهم فتشاجروا وبدت بينهم العداوة والبغضاء ، فبدأت أشعر بالهِرَم الذي لم أشعر به مطلقاً من قبل ، خاصة وأن جيراني قرروا الرحيل برحيل سكانهم عنهم ، فرحلوا وحلت مكانهم بيوت عملاقة بالنسبة لي تعلو عني عشرة أدوار فزدت هِرَماً لمرأى تلك البيوت الشابة القوية ، وتشققت جدراني وفزع سكاني خوفاً أن أسقط عليهم .. كيف أقتلهم تحتي وأنا أعيش من خلالهم ! لايدرون أن شجارهم ورحيلهم يسري في بدني كالسم ، فتتوسع الشروخ باتساع خلافهم ويزيد هِرَمي كلما تباعدوا أكثر فأكثر ، فبدأت أترنح من التعب والشيخوخة فرحل عني جميع سكاني ، معظمهم غير آسفين عليّ ، والبقية يمرون بي بعد سقوطي وأعينهم دامعة لحالي البائس ؛ فما أنا الآن إلا ركام لا يجرؤ أحد على نقله أو إعادة بنائه ليعود شاباً في مواجهة سموم الدنيا
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)

جميييييييييييييله (y) (y)
ردحذف