عندما تكون بداخل شقتك , وتبحث عن شيئ تعلمه , فهذا من أسهل طرق البحث عن الأشياء , فمثلا إن كنت تبحث عن ميدالية المفاتيح , فأنت تبحث عن معلوم , تعلم شكله وهيئته ومواصفاته , وستبدأ خطة البحث , بتوقع الأماكن التي عادة ما تضع المفاتيح عليها , كالمنضدات المختلفة أو فوق المكتب إلي آخره , وإذا فشلت في الخطة ( أ ) ولم تجد ضالتك , ستبدأ في الخطة ( ب) بالبحث بطرق أو بإستراتيجيات جديدة وغير معتادة تعتمد علي توقعات منطقية وعقلانية كأن تبحث في الأركن والأحرف , والأماكن التي قد تسقط بها المفاتيح بدون قصد ... إلي آخره ...
أما إذا كان ما تبحث عنه هو شيئ غير معلوم , شيئ مجهول , فأنت هنا تحاول أن تضع منهجية للبحث , تساعدك في البحث عن ذلك المجهول , وهنا تبدأ منهجية البحث بتحديد كونية هذا الشيئ , هل هو إنسان .. حيوان .. نبات .. مكان .. عقار طبي ... إلخ إلي أخر الأشياء , ثم بعد تحديد نوع الشيئ , يأتي تحديد مواصفاته وخصائصه , وكذلك وظائفه وطبيعته , وأماكن تواجده , وكل ذلك يأتي بدراسات ممنهجة وعلوم مختلفة تتلاقي وتتكامل لتكشف عن المجهول
ولا شك أن البحث عن المجهول هو أرهق وأصعب وأطول أنواع البحث علي الإطلاق , فهو بحث يجعلك دائما مسافر عبر الأشياء , لا تستكين ولا يهدأ لك بال , قد تشترك مع المجهول في تبادل الهواء بينكما , قد يكون علي بعد أمتار منك وتراه بعينيك , ولكنك لم تكتشف مواصفاته وخصائصه التي تجعلك توقن انه ضالتك , وأن عليك أن تظل لسنوات بين الأبحاث والتجارب والإستكشافات لتستطيع يدك أن تقبض علي هذا المجهول الذي هو بجوارك وتراه عينك في كل لحظة , ولكنها فرق بين رؤيتين , رؤية العين , ورؤية العقل , فرؤية العين هي رؤية شمولية ظاهرية تعرف الأشياء بصفاتها الخارجية والمعلومة للجميع , أما رؤية العقل هي رؤية الكشف , رؤية العلم بخبايا الأمور .. رؤية الفلسفة والتكشف .. رؤية الأعماق .
وليعطيك الكون والطبيعة والحياه من خباياهم يجب أن تستحق هذه العطية , وأن تحسن التصرف بعد كشف المستور , وأن تكون أهل لهذه المسؤولية الكبيرة , فالله عز وجل يعطي من يبحث , ويهدي من يشاء , وإن كان البعض يري أن الصدفة لها عامل كبير في بعض الإكتشافات التي حدثت من حولنا , فكثيرين رأو أن ماحدث للمكتشف والعالم إسحاق نيوتن حينما سقطت أمامه ثمرة التفاح كان محض صدفة بحتة , ولكنهم نسو بأنها ليست صدفة .. بل هي قدر , والقدر كثير ما يكون هداية , فلقد هدي الله نيوتن إلي التفكير في كيفية وقوع ثمرة التفاح وإستطاع أن يبني عليها قانون الجاذبية , فهي هداية تصل لمن يستحقها ويستغلها الإستغلال الأمثل , فلا شيئ يسير صدفة أو إعتباطا سوي أهواءنا عندما تحركها النفس أو الشيطان , لذلك كان لزاما علينا أن تسير أبحاثنا بداخل إطار عقلاني متصل بالسماء
فالباحث الملحد عندما يبحث بداخل المعامل عن إكتشاف ما , وهو لا يضع هذا الإطار نصب عينيه , قد يذهب إلي الهاوية , وقد يصل إلي ما يظنه الغاية النهائية , ولكن يكتشف بعد ذلك أن هذا الإكتشاف نفع نوع ما من أنواع الخليقة , وأضر بأخري بظلمه وجهله , أو أنه أضر وأخل بنظام بيئي او كوني قد سنه الله عز وجل , وهنا تحضرني الآية الشريفة ...
بسم الله الرحمن الرحيم " إنا عرضنا الأمانة علي السماوات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " صدق الله العظيم ...
لذلك لكي نصل إلي المراد في بحثنا في شتي المجالات يجب أن يكون بحثنا متصل بالله , لا نظن ولو للحظة في أننا إستطعنا الهروب بعيدا عنه , أو أن الإنسانية والعدل هو أن نقدم كل ما يخدم البشرية ويصب في دلوها المادي فقط , دون النظر لما حولنا من المخلوقات ... فالبحث لكي يصل إلي العدل والعلم , يجب ان يكون متصلا بالسماء , وقد أعطانا الله عز وجل مسببات التفوق علي الآخر , وكان ذلك سببا كافيا لتفوقنا علميا قديما , ولكننا تخلفنا , رغم وجود الكثير من آيات الله التي وضعت أقدامنا علي بداية الطريق للتفرد والسبق والتقدم , وذلك في كثير من المجالات الكونية والعلوم المختلفة , كما جاءت الآيات بذلك , وكذلك الأحاديث النبوية الإعجازية في تكوين الأجنة وغيره , وكذلك التنبؤية منها وغيرها , والتي إذا سبق لنا وتأملناها لقادتنا إلي الإكتشافات التي إكتشفها الغرب حاليا , لذلك كان طريق البحث مضني ومرهق ومليئ بالطرق الوعرة الجامدة , لأننا بعدنا كثيرا ولم نعتز يوما بعقيدتنا ...

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق